تلقى الشارع الرياضي الجزائري بألم كبير خبر وفاة الناخب الوطني الأسبق عبد الرحمن مهداوي، عن عمر ناهز 73 عاما بعد صراع طويل مع المرض، ألزمه الفراش خلال الأشهر القليلة الماضية، مرض غيب المدرب الخلوق أخ اللاعبين وصديق الصحفيين.
غيّب الموت رجلا كبيرا بأخلاق عالية وابتسامة تلازمه مهما كانت الظروف، عبد الرحمن مهداوي المدرب الذي كانت له مسيرة تدريبية حافلة بالألقاب، رحل وكل من عرفه يشيد بأخلاقه العالية وإنسانيته النادرة.
ولد الراحل بتاريخ 07 أكتوبر 1949 بحسين داي، أين داعب الكرة صغيرا بمشتلة المواهب مدرسة النصرية التي فتحت له باب التكوين وسنه لم يتجاوز العشر سنوات، حيث تتلمذ بكل الأصناف العمرية للملاحين إلى غاية بلوغه الفريق الرديف، الذي تعرض معه لإصابة خطيرة أوقفت مسيرته الكروية التي تنبأ لها الجميع لكي تكون حافلة مع فريق “الأصفر والأحمر”.
انتقل بعد ذلك لأداء الخدمة الوطنية ليعود لممارسة هوايته المفضلة مع النادي الرياضي لبلدية حسين داي، قبل أن يحط الرحال بفريق بناء الجزائر الذي أنهى به مسيرته الكروية مبكرا في سن الـ 27، أين قرر التفرغ لدراسته (تكوين مدرب كرة قدم).
بدأ مهنة التدريب نهاية سبعينات القرن الماضي إلى جانب أيقونة التدريب في الجزائر المرحوم إسماعيل خباطو، حيث أشرف على فريق الناشئين لنادي أولمبي العناصر إلى جانب مزاولته دراساته العليا لنيل شهادة التدريب.
انطلق مشوار مهداوي التدريبي مع الأكابر سنة 1977 حين تمت ترقيته، بعدما أبان عن إمكانيات تدريبية كبيرة رفقة الفئات الشابة لأولمبي العناصر، وطلب منه التتويج باللقب خلال مدة ثلاث سنوات وهو الهدف الذي لم يتحقق، بعدها انتقل إلى تدريب فريق شباب بلدية سيدي موسى ومنه حط الرحال بمدينة خميس الخشنة لتدريب الاتحاد المحلي، قبل أن يعود لأولمبي العناصر ومنه إلى فريق أمل الأربعاء.
النتائج الجيدة التي تحصل عليها ابن حسين داي مع الفرق التي أشرف على تدريبها، دفعت الناخب الوطني كمال لموي لتنصيبه مساعدا أول، بعد أكثر من عشرية عمل خلالها على تدريب الأصناف الدنيا بفريق أولمبي العناصر وأكابر العديد من الفرق بمختلف الأقسام، لتنطلق مرحلة جديدة في مسيرته التدريبية الحافلة دامت 40 عاما، أشرف خلالها على تدريب المنتخب الوطني في ثلاثة مناسبات مساعدا وفي مناسبة واحدة مدربا رئيسيا، كما درب 13 فريقا بينهم 03 فرق عربية.
لموي يفتح باب الشهرة لمهداوي
شرع صاحب الابتسامة العريضة في صناعة اسم له بعالم التدريب بداية من سنة 1988، حين استدعي لتعزيز الطاقم الفني للمرحوم كمال لموي، الذي كان يشرف وقتها على تدريب المنتخب الوطني الأول أين عمل بجانبه لمدة سنة واحدة.
شعبية مهداوي انطلقت بداية من سنة 1989، أين أشرف على العارضة الفنية لفريق بناء الجزائر ومنه عاد إلى أولمبي العناصر الذي صعد معه إلى القسم الأول، ليصبح أحد أفضل المدربين بالبطولة الجزائرية رفقة فريق اتحاد الحراش الذي لعب معه الأدوار الأولى.
ظل المدرب الخلوق صامدا وواصل عمله باحترافية كبيرة رغم الفترات الصعبة، حيث عين سنة 1992 مدربا للمنتخب الوطني بجانب مزيان إيغيل، للإشراف على العارضة الفنية لـ “الخضر” خلال تصفيات كأس العالم 1994 الذي أقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، أين تمكن في ظرف وجيز من تكوين منتخب تنافسي مشكل من اللاعبين المحليين، وجانب التأهل إلى المونديال خلال الدور الثاني من التصفيات، ليواصل العمل والتحضير بجد لنهائيات كأس أمم أفريقيا، قبل أن يتم إقصاء الجزائر من المشاركة بسبب الحادثة المعروفة للاعب مراد كعروف التي أعادت المنتخب الوطني إلى نقطة الصفر.
«الشيخ دحمان”، كما كان يحلو للاعبين تسميته انتقل للإشراف على فريق القلب نصر حسين داي موسم (1993 – 1994)، يشرف بعدها لمدة ثلاثة مواسم على فريق وداد تلمسان إلى غاية صيف 1997، أين حضّر الفريق الذي برز محليا وعربيا ببلوغه نهائي كأس الجمهورية خلال 4 مناسبات، وتتويجه بكأس العرب وكأس السوبر العربي سنوات 1998 و1999 على التوالي.
النتائج المميزة لمهداوي مع وداد تلمسان وبصمة اللعب التي تركها بالفريق الأزرق والأبيض، أعادته للمرة الثالثة على رأس المنتخب الوطني موسم (1997 – 1998)، حيث استنجد به لتأهيل المحاربين إلى نهائيات كأس أمم أفريقيا 1998 ببوركينافاسو، لينجح في ذلك أمام منتخب مالي قوي بباماكو، لكن رفقاء صايب موسى لم يظهروا بذلك الوجه القوي، خلال “الكان” وغادروا المنافسة القارية مبكرا، بعد ثلاثة هزائم متتالية أمام كل من غينيا بهدف دون رد، والبلد المنظم بهدفين لواحد والكاميرون بنفس النتيجة.
أوّل تجربة خارج أرض.. والتتويج مع المنتخب “ب”
بعد أكثر من عشريتين قاد خلالها الرجل الأنيق العديد من الفرق الجزائرية والمنتخب الوطني في أكثر من مناسبة، قرر تغيير الأجواء لينتقل إلى الدوري السعودي موسم (1998 – 1999)، أين أشرف على الجهاز الفني لفريق الأنصار (نادي المدينة المنورة حاليا)، ليعمل في الموسم الذي بعده بفريق التعاون، ليعود إلى أرض الوطن سنة 2002 مع مهمة تكوين منتخب أولمبي تنافسي، خلال هذه الفترة شارك رفقة المنتخب الوطني الثاني بدورة “آل. جي”، وتمكن من الفوز بها ضد المنتخب الإيراني.
الناخب الوطني الأسبق عاد لتدريب الفرق بعد ذلك حيث أشرف على تدريب كل من (وداد تلمسان، مولودية الجزائر، مولودية باتنة، اتحاد الحراش)، لينتقل موسم (2007 – 2008) رفقة صديقه الراحل عبد الحميد زوبة لتدريب أهلي بن غازي الليبي، ومنه أشرف على مولودية بجاية في السنة الموالية.
كأس العالم العسكرية أفضل ذكرى
نهاية العشرية الأولى للألفية الجديدة حملت تغييرا مهما في مسيرة عبد الرحمن مهداوي، حيث تم تعيينه على رأس العارضة الفنية للمنتخب الوطني العسكري لكرة القدم لمدة أربع سنوات، حيث عمل مع مجموعة مميزة من الشباب، يقودها الهداف السابق لفريق مولودية الجزائر محمد عمرون، ليحصد ثمار العمل المنجز في ظرف سنة، بالطبعة الخامسة للألعاب العسكرية العالمية بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، أين توج بكأس العالم العسكرية بعدما أطاح بكل المنافسين عن جدارة واستحقاق، وفاز على حساب المنتخب المصري بهدف دون رد، توج المنتخب الوطني العسكري لأول مرة بطلا للدورة.
الناخب الوطني السابق المرحوم عبد الرحمان مهداوي أكد لـ “الشعب” في سؤال وجه له خلال الندوة الصحفية التي أعقبت التتويج بمنتدى يومية المجاهد، أنها بطولة جسدت تضحياته الطويلة في عالم كرة القدم، موضحا أن رفع كأس العالم العسكرية في بلد كرة القدم البرازيل، ومشاهدة الراية الوطنية ترفرف عاليا في سماء ريو، وسماع نشيد قسما يدوي بملعب جواو هافالانج الأولمبي، فخر كبير بالنسبة له ولأشباله وأجمل ما عاشه طوال مسيرته التدريبية.
محلل بارع وذوّاق للأغنية الشعبية
عاد بعدها مهندس التتويج العالمي لقيادة فرق النخبة مشرفا على العارضة الفنية لفرق (مولودية سعيدة، وداد تلمسان، مولودية وشباب قسنطينة، أهلي برج بوعريرج، غالي معسكر، دفاع تاجنانت)، كما قرر العمل في نفس الوقت بمهنة التحليل الرياضي بالتلفزيون الجزائري والإذاعة الوطنية، وساهم بتحاليله الدقيقة بتنوير الرأي العام حول كل ما يتعلق بكرة القدم الحديثة، إلى أن وافته المنية بتاريخ 13 سبتمبر 2022 عن عمر ناهز 73 عاما، بعد صراع طويل مع المرض ألزمه الفراش لأشهر عديدة.
كانت لمهداوي علاقة جيدة ومعاملة جد احترافية مع رجال الإعلام، أين كان في كل مرة يتواصل مع الإعلام الوطني بتواضع واحترافية، ويجيب على اتصالاتهم الهاتفية للحديث عن المنتخب الوطني والفرق الجزائرية، وكان يلبي دعواتهم لتنشيط الندوات والحلول ضيفا على مختلف قاعات التحرير والبلاطوهات، كما كانت تربطه بالصحافيين الرياضيين علاقة إنسانية كبيرة، وكان يلقب في الوسط الإعلامي بصديق الصحافيين، حيث كان يتواصل مع الجميع ويجيب حتى على أسئلة “المبتدئين”، منهم بطريقة هادئة وبرزانة في الإجابة بابتسامته المعهودة.
المرحوم كان يعرف بعشقه الكبير للأغنية الشعبية ولرائدها الحاج محمد العنقى والأنيق الهاشمي قرواي، كما كان صديقا كبيرا للمغني عبد القادر شاعو، وكان يعرف بحضوره الدوري لقعدات الشعبي مع رفيق دربه المرحوم عبد الحميد زوبة، للاستمتاع بمختلف قصائد الفن الأصيل.