يروي محمد معوش، أحد لاعبي فريق جبهة التحرير الوطني في حوار لـ“الشعب”، مراحل تكوين هذا الفريق الرمز الذي كان له دور بارز خلال الثورة التحريرية.
وعاد معوش إلى عديد المحطات والشخصيات التي كانت لها بصمة في نجاح دور فريق جبهة التحرير الوطني بامتياز أثناء الثورة التحريرية، إضافة إلى حديثه عن طفولته التي كانت صعبة.. وكذا كيفية بداية حكايته مع عالم المستديرة التي غيّرت مجرى حياته فيما بعد، يأتي ذلك بمناسبة الاحتفال بالذكرى 65 لتأسيس فريق جبهة التحرير الوطني المصادف لـ 13 أفريل من كل سنة، إضافة إلى عديد التفاصيل ستكتشفونها خلال هذا الحوار حيث أجاب محمد معوش على الأسئلة بصدر رحب.
“الشعب”: هل لك أن تروي لنا بعض الذكريات منذ طفولتك، وكيف كانت بدايتك مع عالم الكرة المستديرة ؟
«محمد معوش”: طفولتي كانت ككل الجزائريين.. كنا نعيش تحت وطأة الاستعمار نعاني من الحرمان وحياة صعبة جدا، كنت اسكن حينها في بولوغين كنا نمارس هوايتنا في لعب الكرة بشكل عادي في الشارع رفقة أبناء الحي، وفي أحد الأيام حين كان عمري 13 سنة مر علينا رجل لا نعرفه وبقي يشاهدنا ونحن نلعب قرابة الساعتين كنت رفقة دفنون الذي كان لاعبا ماهرا، تملكنا بعض الخوف خشية أن يكون شرطيا، حيث بقي يطالع الجريدة داخل سيارته، وعندما انتهينا من اللعب تقدم نحونا كنا من دون أحذية وهذا أمر بديهي بسبب فترة الاستعمار.. وقال لنا شاهدتكم وانتم تلعبون وانتظركم يوم الخميس القادم في الملعب إلى غاية الساعة الثانية زوالا وبالفعل ذهبت رفقة عبد الرحمن دفنون حيث تعرف علينا ذلك الرجل منذ البداية، ودخلنا لغرف تغيير الملابس ومنحنا حذاء وبذلة رياضية ومن هنا كانت الانطلاقة الفعلية مع كرة القدم.
ماذا عن باقي المراحل إلى غاية وصولك لمستوى كبير ؟
بالفعل بعدما دخلنا لغرف تغيير الملابس في ملعب “سانت اوجان” سابقا “ ملعب “عمر حمادي ببولوغين “ حاليا، وشاهدنا كرة حقيقية والتي كانت بمثابة حلم بالنسبة لنا، دخلنا الميدان بطاقة كبيرة جدا وقدمنا مردودا عاليا أفضل من اللاعبين الفرنسيين الذين كانوا موجودين لاننا نملك مهارات كبيرة وبعدها طلب منا مقابلة كاتب الفريق في تلك الفترة منحنا طلب للذهاب عند الطبيب من أجل القيام بالفحوصات اللازمة، وبعدها عدنا للبيت وكنا جد سعداء إلى درجة أنني نمت بذلك الحذاء تلك الليلة لأنهم طلبوا منا العودة الخميس المقبل لمباشرة التدريبات بصفة عادية مع الفريق، وسردت لوالدتي ما حدث معي لأنها كانت قلقة جدا بسبب تأخري عن العودة الى المنزل، وبعدها أصبحت هدافا للفريق في الأصاغر ثم في فئة 16 سنة شاركت في التربص الذي أقيم هنا في الجزائر وبعدها انتقلت إلى فرنسا من أجل تربص آخر حيث لفت مستواي انتباه عديد الأندية هناك وطلبوا مني اللعب معهم، الا أن نادي “سانت اوجان” رفض تسريحي في تلك الفترة ثم انتقلت للفريق المحترف الأول وعمري 17 سنة، وفي سنة 1956 قدمت مباراة قوية ضد فريق بوفاريك وكان حاضرا في المدرجات مسيرين من فريق “ ملعب ريمس” أعجبوا بما قدمته وتنقلت معهم، حينها قلت لوالدتي سأعود بعد 24 ساعة لكني عدت بعد سنتين ونصف.
كيف جاءت فكرة تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني؟
الفضل يعود لمحمد بومزراق الذي كان وراء تأسيس هذا الفريق، كان ذلك بعد عودته من موسكو اين كان متواجدا خلال مهرجان للشباب سنة 1957، شاركوا بفريق هاوي وبعدها جاءت الفكرة لتأسيس فريق في كرة القدم باللاعبين المحترفين في فرنسا وكنا بعدد كبير حيث كان 4 لاعبين في موناكو والأمر يتعلق بكل من بوبكر،زيتوني،بن تيفور، في تولوز بوشوك، إبراهيمي، سانت إتيان كان مخلوفي، انا كنت في ملعب رانس، وبومزراق قام باختيار 11 لاعبا من أجل الانطلاق في تجسيد المشروع، وهذا بعد تخطيط محكم ودراسة جيدة بداية من عملية الاتصال باللاعبين.. وبهذه الطريقة بدأ في تجسيد الفكرة على أرض الواقع.
ماذا حدث ليلة مغادرة اللاعبين الجزائريين الأندية الفرنسية؟
بداية تم إسناد المهام لبعض الأشخاص الذين بإمكانهم المساعدة في الاتصال باللاعبين الذين كانوا نجوما في أنديتهم، والبعض من اللاعبين كان معنيا بالمشاركة في مونديال السويد رفقة المنتخب الفرنسي في صورة مخلوفي وزيتوني، لكن عملنا بشكل منتظم وعندما أسندت لي المسؤولية كنت رفقة زوجتي التي ساندتني كثيرا.. وبومزراق هو الذي كان يتنقل ويلتقي مع اللاعبين المحترفين الذين ينشطون في مختلف الأندية الفرنسية وكنا نلتقي كل يوم أربعاء بمقهى لوكسمبورغ على الساعة 18:00، إلى أن اتخذ قرار مغادرة اللاعبين يوم 13 أفريل 1958، وقد اخترنا الجولة التي يلتقي فيها اللاعبين المعنيين بهذه المهمة.
كيف كانت الاتصالات؟
بعد العودة من مهرجان موسكو بومزراق اتصل بأول لاعب وهو بن تيفور الذي كان لاعبا قويا في نادي نيس ومناضلا محنكا وبعده اتصل بمختار لعريبي، وبعدها اتصل بي انا عندما التقيته صدفة أمام محطة المترو، كان ينتظر لعريبي تحدثنا قليلا، واتفقنا على أن نلتقي كل يوم أربعاء في مقهى لوكسومبورغ، كان ذلك في شهر ديسمبر، شرعنا في المهمة في ذلك اليوم إلى غاية ليلة 12 أفريل واتخاذ قرار الخروج من فرنسا، وبالنظر للحنكة التي يتمتع بها بومزراق كانت الأمور منظمة بشكل جيد حيث كانت مباراة بين موناكو وانجي بموناكو، وهي منطقة قريبة من ايطاليا ويتواجد في تلك المباراة 4 لاعبين من موناكو وعمر رواي من انجي، والمباراة الثانية جمعت بين سانت إتيان وليون جمعت كلا من كرمالي ومخلوفي وعريبي، اتفقنا أن يتنقلوا إلى جنيف.. اما المواجهة الثالثة جمعت بين رامس الذي ألعب له انا، وتولوز الذي ينشط به براهيمي وبوشوك، اتفقنا للانتقال إلى باريس ثم لوزان.. ولكن كان تأخر لوصول اللاعبين.. وبومزراق تخلف لأنه كان مع مخلوفي في المستشفى بعد إصابته.. ولحسن الحظ كرمالي تمكن من إخراجه، لذلك فقد عدت إلى باريس لأنه لم يكن هناك هاتف في ذلك الوقت، (كما هو معلوم )وعندما اطلعت على الجريدة في اليوم الموالي علمت أن اللاعبين غادروا فرنسا للتوجه الى تونس..لكن عندما حاولت الذهاب إلى سويسرا، ألقي علي القبض في الحدود ودخلت للسجن.. ثم التحقت في وقت لاحق بفريق جبهة التحرير الوطني مع الفوج الثالث.
ما هي مراحل التحاقكم بتونس؟
الأمور التنظيمية كانت محكمة للوصول الى تونس حيث قسّمنا الفوج الأول إلى 3 مجموعات الأولى تتنقل من موناكو إلى إيطاليا لأنها قريبة بقيادة بن تيفور، والثانية عن طريق بلجيكا والتي كانت من مسؤوليتي الاشراف على مغادرة اللاعبين، اما الثالثة تلتحق بباريس ثم جنيف السويسرية الا أنني تخلفت عن الموعد بسبب تأخر وصول زملائي وبعدها تم القبض علي من طرف الشرطة الفرنسية عقب حديث مختلف الصحف عن مغادرة اللاعبين الجزائريين للأندية الفرنسية حيث استيقظ الفرنسيون على وقع الصدمة، وبعدها كان الفوج الثاني التي قاده زوبة في جويلية ثم التحقت انا بالتعداد بعد أشهر قليلة، حيث كان فريق جبهة التحرير الوطني لعب عددا كبيرا من المباريات وابهر العالم، حيث لعبنا 64 لقاء، فزنا في 47 منها وتعادلنا في 11 مناسبة، وكذلك راجع للصرامة والعمل الجاد حيث أصبحنا بعدها 33 لاعبا في الفريق..
ويمكن القول، بتونس وجدنا الدعم الكامل والمطلق من السلطات التونسية التي وضعت أمامنا كل الظروف والإمكانيات من أجل الإقامة الجيدة.